للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك في البصائر القلبية بالكشف الصحيح بعد التصفية، والتدرب في القيام بأعباء الشريعة، وحمل أثقالها، والتخلّق بأخلاقها، يصفِّي الله عز وجل عبده من درنه، ويكشف لقلبه، فيرى حقائق الأشياء.

فمتى تجلّت على العبد أنوار المشاهدة الحقيقية الروحية الدالّة على عظمة الفَرْدانية؛ تلاشى الوجود الذي للعبد واضْمَحَلَّ، كما يتلاشى الليل إذا أسفر عليه الصباح، ويكون العبد في ذلك آكلًا شاربًا، فلا يظهر عليه شيءٌ مغاير لما اعتاده، لكن يزداد إيمانه ويقينه، حتى ربما غطى إيمانُه عن قلبه كلَّ شيء في أوقات سكره، ويبقى وجوده كالخيال، قائمًا بالعبودية في حضرة ذي الجلال.

وتعود عليه البصائر الصحيحة في معرفة الأشياء عند صحوه، ثم يزول عنه عدم التمييز، ويقوى على حاله فيتصرف فيه، وذلك هو البقاء، بحيث يتصرف في الأشياء، ولا تحجب (١) عنه ما وجده من الإيمان والإيقان في حال البقاء، بل يعود عليه شعوره الأول بوجود آخر يتولّاه الله عز وجل، يُشْهِده فيه (٢) قيامه عليه بتدبيره، ويصل إلى مقام المراد بعد عبوره على (٣) مقام المريد، فيصير به يسمع (٤)، وبه ينطق، كما جاء في الحديث الصحيح (٥).


(١) إعجام تاء المضارعة من "د".
(٢) "م": "شهد فيه"، والمثبت من "د".
(٣) "م": "عثوره"، وأهملها في "د"، والمثبت أليق بالسياق؛ فمقام المريد قنطرة لمقام المراد، ووقع في "م": "إلى" بدل "على".
(٤) "د": "فيصر به ويسمع"، ولعلها: "فيبصر به ويسمع"، والمثبت من "م".
(٥) يشير إلى الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة، وفيه: "وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها".