للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجه آخر: وهو أن الفاني في حال فنائه قبل أن يبلغ إلى مقام البقاء والصحو والتمييز يستتر من قلبه محل الزهد والصبر والورع، لا بمعنى أن تلك المقامات (١) ذهبت وارتفع عنها العبد، لكن بمعنى أن الشهود (٢) ستر محلها من القلب، وانطوت واندرجت في ضمن ما وجده اندراج الحال النازل في الحال العالي، فصارت فيما (٣) وجده الواجد من وجود الحق ضمنًا وتبعًا، وصار القلب مشتغلًا بالحال الأعلى عن الحال الأدنى، بحيث لو فُتش قلبُ العبد لوُجِدَ فيه الزهدُ والورعُ، وحقائقُ الخوف والرجاءِ مستورًا بأمثال الجبال من الأحوال الوجودية التي يضيق القلب عن الاتساع لمجموعها، ثم في حال البقاء والصحو والتمييز تعود عليه تلك المقامات بالله، لا بوجود نفسه.

إذا علمت ذلك انحلَّ إشكال قوله: "إنّ مشاهدةَ العبد الحُكْم (٤) لم تدع له استحسان حسنة، ولا استقباح سيئة؛ لصعوده إلى معنى الحُكْم"، أي أن صفة حُكْم الله حَشَأت (٥) بصيرته وملأتها، فشهد قيام الله تعالى على الأشياء


(١) "د": "العايات" دون إعجام، والمثبت من "م"، وسيأتي ما يؤكده.
(٢) "م": "المشهود"، وما أثبت من "د" هو الأشبه بعبارات القوم.
(٣) "م": "كما" تحريف.
(٤) "الحكم" ساقطة من "م".
(٥) "د": "خَسَأَت" مجوّدة، ورسمها كذلك في "م" مهملة بزيادة سن رابعة، وعلَّق في الحاشية: "حسان"! وجميع ما تقدم يأباه السياق، وكأنها كانت مشكلة في نسخة المصنف فاجتهد في رسمها النساخ، وفي طبعة "النعساني" (١٧): "حشت" وتابعه عليها من جاء بعده، والمثبت هو الصحيح إنْ شاء الله؛ لاستقامة معناه وقربه من رسم النساخ، يقال: "حشأتُه: إذا أدخلته جوفه، وإذا أصبت حشاه" "تاج العروس" (حشأ) (١/ ١٩٢).