فَإِنْ قِيلَ: وَعَلَى ذَلِكَ فَالْعِدَّةُ تَنْقَضِي فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَكَيْفَ لَمْ يُجَدِّدْ نِكَاحَهَا؟ قِيلَ: تَحْرِيمُ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا نَزَلَ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْفَسِخِ النِّكَاحُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِعَدَمِ شَرْعِيَّةِ هَذَا الْحُكْمِ فِيهَا، وَلَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُهُنَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَسْلَمَ أبو العاص فَرُدَّتْ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا مُرَاعَاةُ زَمَنِ الْعِدَّةِ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ نَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ، وَقَدْ ذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قتادة عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا: هُوَ أَمْلَكُ بِبُضْعِهَا مَا دَامَتْ فِي دَارِ هِجْرَتِهَا.
ذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ علي هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِصْرِهَا.
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ معمر عَنِ الزُّهْرِيِّ إِنْ أَسْلَمَتْ وَلَمْ يُسْلِمْ زَوْجُهَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا إِلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا سُلْطَانٌ.
وَلَا يُعْرَفُ اعْتِبَارُ الْعِدَّةِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَلَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ الْمَرْأَةَ هَلِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَمْ لَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَوْ كَانَ بِمُجَرَّدِهِ فُرْقَةٌ لَمْ تَكُنْ فُرْقَةً رَجْعِيَّةً بَلْ بَائِنَةً، فَلَا أَثَرَ لِلْعِدَّةِ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا أَثَرُهَا فِي مَنْعِ نِكَاحِهَا لِلْغَيْرِ، فَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ نَجَّزَ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ بِهَا فِي الْعِدَّةِ، وَلَكِنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ حُكْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النِّكَاحَ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَإِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ، وَإِنْ أَحَبَّتِ انْتَظَرَتْهُ فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتْ زَوْجَتَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ.
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا جَدَّدَ لِلْإِسْلَامِ نِكَاحَهُ الْبَتَّةَ، بَلْ كَانَ الْوَاقِعُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا افْتِرَاقُهُمَا وَنِكَاحُهَا غَيْرَهُ، وَإِمَّا بَقَاؤُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهَا أَوْ إِسْلَامُهُ، وَإِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute