وَبِأَنَّ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ كَأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ وَلِهَذَا يُثَابُ عَلَى الْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ فِي اللَّهِ، وَعَلَى التَّوَكُّلِ وَالرِّضَى وَالْعَزْمِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالْعُجْبِ وَالشَّكِّ وَالرِّيَاءِ وَظَنِّ السَّوْءِ بِالْأَبْرِيَاءِ.
وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ، أَمَّا حَدِيثُ ( «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ) فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ فِيهِ أَنَّ الْعَمَلَ مَعَ النِّيَّةِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ، لَا النِّيَّةَ وَحْدَهَا، وَأَمَّا مَنِ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ أَوْ شَكَّ، فَهُوَ كَافِرٌ لِزَوَالِ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ عَقْدُ الْقَلْبِ مَعَ الْإِقْرَارِ، فَإِذَا زَالَ الْعَقْدُ الْجَازِمُ كَانَ نَفْسُ زَوَالِهِ كُفْرًا، فَإِنَّ الْإِيمَانَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ ثَابِتٌ قَائِمٌ بِالْقَلْبِ، فَمَا لَمْ يَقُمْ بِالْقَلْبِ، حَصَلَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْكُفْرُ، وَهَذَا كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ إِذَا فُقِدَ الْعِلْمُ حَصَلَ الْجَهْلُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ نَقِيضَيْنِ زَالَ أَحَدُهُمَا خَلَفَهُ الْآخَرُ.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ الْمُحَاسَبَةَ بِمَا يُخْفِيهِ الْعَبْدُ إِلْزَامُهُ بِأَحْكَامِهِ بِالشَّرْعِ، وَإِنَّمَا فِيهَا مُحَاسَبَتُهُ بِمَا يُبْدِيهِ أَوْ يُخْفِيهِ، ثُمَّ هُوَ مَغْفُورٌ لَهُ أَوْ مُعَذَّبٌ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ.
وَأَمَّا أَنَّ الْمُصِرَّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَاسِقٌ مُؤَاخَذٌ، فَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ عَمِلَ الْمَعْصِيَةَ، ثُمَّ أَصَرَّ عَلَيْهَا، فَهُنَا عَمَلٌ اتَّصَلَ بِهِ الْعَزْمُ عَلَى مُعَاوَدَتِهِ، فَهَذَا هُوَ الْمُصِرُّ، وَأَمَّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يَعْمَلْهَا فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ لَا تُكْتَبَ عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ تُكْتَبَ لَهُ حَسَنَةً إِذَا تَرَكَهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى أَعْمَالِ الْقُلُوبِ فَحَقٌّ وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مَمْلُوءَانِ بِهِ، وَلَكِنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّ مَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ هُوَ مَعَاصٍ قَلْبِيَّةٌ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهَا، كَمَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى الْمَعَاصِي الْبَدَنِيَّةِ إِذْ هِيَ مُنَافِيَةٌ لِعُبُودِيَّةِ الْقَلْبِ، فَإِنَّ الْكِبْرَ وَالْعُجْبَ وَالرِّيَاءَ وَظَنَّ السَّوْءِ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْقَلْبِ، وَهِيَ أُمُورٌ اخْتِيَارِيَّةٌ يُمْكِنُ اجْتِنَابُهَا فَيَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ عَلَى فِعْلِهَا وَهِيَ أَسْمَاءٌ لِمَعَانٍ مُسَمَّيَاتُهَا قَائِمَةٌ بِالْقَلْبِ.
وَأَمَّا الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ فَاسْمَانِ لِمُسَمَّيَيْنِ قَائِمَيْنِ بِاللِّسَانِ، أَوْ مَا نَابَ عَنْهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute