للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ وَلَيْسَا اسْمَيْنِ لِمَا فِي الْقَلْبِ مُجَرَّدًا عَنِ النُّطْقِ.

وَتَضَمَّنَتْ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا هَزَلَ بِالطَّلَاقِ أَوِ النِّكَاحِ أَوِ الرَّجْعَةِ لَزِمَهُ مَا هَزَلَ بِهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْهَازِلِ مُعْتَبَرٌ وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ كَلَامُ النَّائِمِ وَالنَّاسِي وَزَائِلِ الْعَقْلِ وَالْمُكْرَهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلَّفْظِ غَيْرُ مُرِيدٍ لِحُكْمِهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ إِلَيْهِ فَإِنَّمَا إِلَى الْمُكَلَّفِ الْأَسْبَابُ، وَأَمَّا تَرَتُّبُ مُسَبَّبَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا فَهُوَ إِلَى الشَّارِعِ قَصَدَهُ الْمُكَلَّفُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَالْعِبْرَةُ بِقَصْدِهِ السَّبَبَ اخْتِيَارًا فِي حَالِ عَقْلِهِ وَتَكْلِيفِهِ فَإِذَا قَصَدَهُ، رَتَّبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ حُكْمَهُ جَدَّ بِهِ أَوْ هَزَلَ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّائِمِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَزَائِلِ الْعَقْلِ فَإِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ، وَلَيْسُوا مُكَلَّفِينَ فَأَلْفَاظُهُمْ لَغْوٌ بِمَنْزِلَةِ أَلْفَاظِ الطِّفْلِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَعْنَاهَا وَلَا يَقْصِدُهُ.

وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَصَدَ اللَّفْظَ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ حُكْمَهُ، وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَقْصِدِ اللَّفْظَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَعْنَاهُ، فَالْمَرَاتِبُ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ أَرْبَعَةٌ:

إِحْدَاهَا: أَنْ لَا يَقْصِدَ الْحُكْمَ وَلَا يَتَلَفَّظَ بِهِ.

الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَقْصِدَ اللَّفْظَ وَلَا حُكْمَهُ.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقْصِدَ اللَّفْظَ دُونَ حُكْمِهِ.

الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقْصِدَ اللَّفْظَ وَالْحُكْمَ فَالْأُولَيَانِ لَغْوٌ، وَالْآخِرَتَانِ مُعْتَبَرَتَانِ. هَذَا الَّذِي اسْتُفِيدَ مِنْ مَجْمُوعِ نُصُوصِهِ وَأَحْكَامِهِ وَعَلَى هَذَا فَكَلَامُ الْمُكْرَهِ كُلُّهُ لَغْوٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَكْفُرُ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا، وَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ تَجَاوَزَ عَنِ الْمُكْرَهِ فَلَمْ يُؤَاخِذْهُ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُرَادُ بِهِ كَلَامُهُ قَطْعًا، وَأَمَّا أَفْعَالُهُ، فَفِيهَا تَفْصِيلٌ، فَمَا أُبِيحَ مِنْهَا بِالْإِكْرَاهِ فَهُوَ مُتَجَاوَزٌ عَنْهُ كَالْأَكْلِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَالْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ فِي الْإِحْرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَمَا لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِهِ كَقَتْلِ الْمَعْصُومِ وَإِتْلَافِ مَالِهِ وَمَا اخْتُلِفَ فِيهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>