للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ هَلْ يُحَدُّ بِهِ أَوْ لَا؟ فَالِاخْتِلَافُ هَلْ يُبَاحُ ذَلِكَ بِالْإِكْرَاهِ أَوْ لَا؟ فَمَنْ لَمْ يُبِحْهُ حَدَّهُ بِهِ، وَمَنْ أَبَاحَهُ بِالْإِكْرَاهِ لَمْ يَحُدَّهُ، وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فِي الْإِكْرَاهِ أَنَّ الْأَفْعَالَ إِذَا وَقَعَتْ لَمْ تَرْتَفِعْ مَفْسَدَتُهَا، بَلْ مَفْسَدَتُهَا مَعَهَا بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ فَإِنَّهَا يُمْكِنُ إِلْغَاؤُهَا وَجَعْلُهَا بِمَنْزِلَةِ أَقْوَالِ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ، فَمَفْسَدَةُ الْفِعْلِ الَّذِي لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ ثَابِتَةٌ بِخِلَافِ مَفْسَدَةِ الْقَوْلِ، فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَثْبُتُ إِذَا كَانَ قَائِلُهُ عَالِمًا بِهِ مُخْتَارًا لَهُ.

وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ خيثمة عَنْ عبد الرحمن، قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا: سَمِّنِي فَسَمَّاهَا الظَّبْيَةَ، فَقَالَتْ: مَا قُلْتَ شَيْئًا، قَالَ: فَهَاتِ مَا أُسَمِّيكِ بِهِ، قَالَتْ: سَمِّنِي خَلِيَّةً طَالِقًا، قَالَ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ طَالِقٌ، فَأَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي، فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَأَوْجَعَ عُمَرُ رَأْسَهَا، وَقَالَ لِزَوْجِهَا: (خُذْ بِيَدِهَا وَأَوْجِعْ رَأْسَهَا) .

فَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ لَمَّا لَمْ يَقْصِدِ الزَّوْجُ اللَّفْظَ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، بَلْ قَصَدَ لَفْظًا لَا يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَوْ غُلَامِهِ: إِنِّهَا حُرَّةٌ. وَأَرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَاجِرَةٍ، أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ أَوْ سَرَّحْتُكِ. وَمُرَادُهُ تَسْرِيحُ الشَّعَرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يَقَعُ عِتْقُهُ وَلَا طَلَاقُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ أَوْ تَصَادَقَا فِي الْحُكْمِ لَمْ يَقَعْ بِهِ.

فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا مِنْ أَيِّ الْأَقْسَامِ؟ فَإِنَّكُمْ جَعَلْتُمُ الْمَرَاتِبَ أَرْبَعَةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُكْرَهٍ وَلَا زَائِلِ الْعَقْلِ وَلَا هَازِلٍ وَلَا قَاصِدٍ لِحُكْمِ اللَّفْظِ؟ قِيلَ: هَذَا مُتَكَلِّمٌ بِاللَّفْظِ مُرِيدٌ بِهِ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ، فَلَزِمَ حُكْمُ مَا أَرَادَهُ بِلَفْظِهِ دُونَ مَا لَمْ يُرِدْهُ، فَلَا يَلْزَمُ بِمَا لَمْ يُرِدْهُ بِاللَّفْظِ إِذَا كَانَ صَالِحًا لِمَا أَرَادَهُ، وَقَدِ «اسْتَحْلَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركانة لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ فَقَالَ: (مَا أَرَدْتَ؟ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>