رِوَايَةِ عبيد الله، عَنْ نافع عَنْهُ، فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ: لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَرِيحًا فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ، لَمَا عَدَلَ بِهِ إِلَى مُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَقَوْلِهِ لِلسَّائِلِ: أَرَأَيْتَ؟
الرَّابِعُ: أَنَّ الْأَلْفَاظَ قَدِ اضْطَرَبَتْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ اضْطِرَابًا شَدِيدًا، وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ عَنْهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَصٌّ صَرِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وُقُوعِ تِلْكَ الطَّلْقَةِ وَالِاعْتِدَادِ بِهَا، وَإِذَا تَعَارَضَتْ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ، نَظَرْنَا إِلَى مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ وَفَتْوَاهُ، فَوَجَدْنَاهُ صَرِيحًا فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَوَجَدْنَا أَحَدَ أَلْفَاظِ حَدِيثِهِ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ، فَقَدِ اجْتَمَعَ صَرِيحُ رِوَايَتِهِ وَفَتْوَاهُ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ مُضْطَرِبَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمَا لِي لَا أَعْتَدُّ بِهَا، وَقَوْلُهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ، فَغَايَةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ رِوَايَةً صَرِيحَةً عَنْهُ بِالْوُقُوعِ، وَيَكُونَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ.
وَقَوْلُكُمْ: كَيْفَ يُفْتِي بِالْوُقُوعِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَدَّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْتَدَّ عَلَيْهِ بِهَا؟ فَلَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ حَدِيثٍ خَالَفَهُ رَاوِيهِ، وَلَهُ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي خَالَفَهَا رَاوِيهَا أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي تَقْدِيمِ رِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُ عَلَى رَأْيِهِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ حَدِيثَ بريرة، وَأَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَيْسَ بِطَلَاقِهَا، وَأَفْتَى بِخِلَافِهِ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِرِوَايَتِهِ، وَتَرَكُوا رَأْيَهُ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ مَعْصُومَةٌ عَنْ مَعْصُومٍ، وَالرَّأْيُ بِخِلَافِهَا، كَيْفَ وَأَصْرَحُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ مُوَافَقَتُهُ لِمَا رَوَاهُ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ عَلَى أَنَّ فِي هَذَا فِقْهًا دَقِيقًا إِنَّمَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ غَوْرٌ عَلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَمَذَاهِبِهِمْ، وَفَهْمِهِمْ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاحْتِيَاطِهِمْ لِلْأُمَّةِ، >
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute