وَلَعَلَّكَ تَرَاهُ قَرِيبًا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إِيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابن وهب عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِي آخِرِهِ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ فَلَعَمْرُ اللَّهِ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَدَّمْنَا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَلَصِرْنَا إِلَيْهَا بِأَوَّلِ وَهْلَةٍ، وَلَكِنْ لَا نَدْرِي أَقَالَهَا ابن وهب مِنْ عِنْدِهِ أَمِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، أَمْ نافع، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ، وَيَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ، وَتُرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ، وَيُقَالُ: هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِالْوَهْمِ وَالِاحْتِمَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُرَادُهُ بِهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إِنَّمَا طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ ثَلَاثًا، أَيْ طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عطاء عَنْ نافع، أَنَّ تَطْلِيقَةَ عبد الله حُسِبَتْ عَلَيْهِ، فَهَذَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ نافع، وَلَا يُعْرَفُ مَنِ الَّذِي حَسَبَهَا، أَهُوَ عبد الله نَفْسُهُ، أَوْ أَبُوهُ عمر، أَوْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَهْمِ وَالْحُسْبَانِ، وَكَيْفَ يُعَارَضُ صَرِيحُ قَوْلِهِ: وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا بِهَذَا الْمُجْمَلِ؟ وَاللَّهُ يَشْهَدُ - وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا - أَنَّا لَوْ تَيَقَّنَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي حَسَبَهَا عَلَيْهِ، لَمْ نَتَعَدَّ ذَلِكَ، وَلَمْ نَذْهَبْ إِلَى سِوَاهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أنس: ( «مَنْ طَلَّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ» ) ، فَحَدِيثٌ بَاطِلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ إسماعيل بن أمية الذَّارِعِ الْكَذَّابِ الَّذِي يُذْرِعُ وَيُفَصِّلُ، ثُمَّ الرَّاوِي لَهُ عَنْهُ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْبَرْقَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَانَ قَدِ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute