الدّلِيلُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} [البقرة: ٢٢٧] [الْبَقَرَةِ: ٢٢٧] وَإِنَّمَا الْعَزْمُ مَا عَزَمَ الْعَازِمُ عَلَى فِعْلِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: ٢٣٥] [الْبَقَرَةِ: ٢٣٥] فَإِنْ قِيلَ: فَتَرْكُ الْفَيْئَةِ عَزْمٌ عَلَى الطَّلَاقِ؟ قِيلَ: الْعَزْمُ هُوَ إِرَادَةٌ جَازِمَةٌ لِفِعْلِ الْمَعْزُومِ عَلَيْهِ أَوْ تَرْكِهِ، وَأَنْتُمْ تُوقِعُونَ الطَّلَاقَ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ عَزْمٌ لَا عَلَى وَطْءٍ، وَلَا عَلَى تَرْكِهِ، بَلْ لَوْ عَزَمَ عَلَى الْفَيْئَةِ وَلَمْ يُجَامِعْ طَلَّقْتُمْ عَلَيْهِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَمْ يَعْزِمِ الطَّلَاقَ، فَكَيْفَمَا قَدَّرْتُمْ فَالْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ.
الدَّلِيلُ الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَيَّرَهُ فِي الْآيَةِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: الْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْكَفَّارَاتِ، وَلَوْ كَانَ فِي حَالَتَيْنِ، لَكَانَ تَرْتِيبًا لَا تَخْيِيرًا، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْفَيْئَةُ عِنْدَكُمْ فِي نَفْسِ الْمُدَّةِ، وَعَزْمُ الطَّلَاقِ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَلَمْ يَقَعِ التَّخْيِيرُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ.
فَإِنْ قِيلَ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَفِيءَ فِي الْمُدَّةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْفَيْئَةَ، فَيَكُونَ عَازِمًا لِلطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. قِيلَ: تَرْكُ الْفَيْئَةِ لَا يَكُونُ عَزْمًا لِلطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَزْمًا عِنْدَكُمْ إِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ، فَلَا يَتَأَتَّى التَّخْيِيرُ بَيْنَ عَزْمِ الطَّلَاقِ، وَبَيْنَ الْفَيْئَةِ الْبَتَّةَ، فَإِنَّهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَكُمْ فَلَا يُمْكِنُهُ الْفَيْئَةُ، وَفِي الْمُدَّةِ يُمْكِنُهُ الْفَيْئَةُ، وَلَمْ يَحْضُرْ وَقْتَ عَزْمِ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَهَذَا دَلِيلٌ خَامِسٌ مُسْتَقِلٌّ.
الدَّلِيلُ السَّادِسُ: أَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُمَا إِلَيْهِ لِيَصِحَّ مِنْهُ اخْتِيَارُ فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَتَرْكِهِ، وَإِلَّا لَبَطَلَ حُكْمُ خِيَارِهِ، وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ لَيْسَ إِلَيْهِ.
الدَّلِيلُ السَّابِعُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٢٧] فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ قَوْلًا يُسْمَعُ، لِيَحْسُنَ خَتْمُ الْآيَةِ بِصِفَةِ السَّمْعِ.
الدَّلِيلُ الثَّامِنُ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ: لَكَ أَجَلُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ وَفَّيْتَنِي قَبِلْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute