وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَغَيْرُهُمْ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ أنسا قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، فَلَمْ يُخَصِّصِ الْقُنُوتَ بِالْفَجْرِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ سَوَاءً، فَمَا بَالُ الْقُنُوتِ اخْتَصَّ بِالْفَجْرِ؟!
فَإِنْ قُلْتُمْ: قُنُوتُ الْمَغْرِبِ مَنْسُوخٌ، قَالَ لَكُمْ مُنَازِعُوكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: وَكَذَلِكَ قُنُوتُ الْفَجْرِ سَوَاءً، وَلَا تَأْتُونَ بِحُجَّةٍ عَلَى نَسْخِ قُنُوتِ الْمَغْرِبِ إِلَّا كَانَتْ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ قُنُوتِ الْفَجْرِ سَوَاءً، وَلَا يُمْكِنُكُمْ أَبَدًا أَنْ تُقِيمُوا دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ قُنُوتِ الْمَغْرِبِ وَإِحْكَامِ قُنُوتِ الْفَجْرِ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: قُنُوتُ الْمَغْرِبِ كَانَ قُنُوتًا لِلنَّوَازِلِ، لَا قُنُوتًا رَاتِبًا، قَالَ مُنَازِعُوكُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: نَعَمْ كَذَلِكَ هُوَ، وَكَذَلِكَ قُنُوتُ الْفَجْرِ سَوَاءً، وَمَا الْفَرْقُ؟ قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ قُنُوتَ الْفَجْرِ كَانَ قُنُوتَ نَازِلَةٍ، لَا قُنُوتًا رَاتِبًا أَنَّ أنسا نَفْسَهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ، وَعُمْدَتُكُمْ فِي الْقُنُوتِ الرَّاتِبِ إِنَّمَا هُوَ أنس، وأنس أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ قُنُوتَ نَازِلَةٍ ثُمَّ تَرَكَهُ، فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أنس قَالَ: «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ثُمَّ تَرَكَهُ» .
الثَّانِي: أَنَّ شبابة رَوَى عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: قُلْنَا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «إِنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ بِالْفَجْرِ، قَالَ: كَذَبُوا، وَإِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا وَاحِدًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ» . وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ وَإِنْ كَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ضَعَّفَهُ، فَقَدْ وَثَّقَهُ غَيْرُهُ، وَلَيْسَ بِدُونِ أبي جعفر الرازي، فَكَيْفَ يَكُونُ أبو جعفر حُجَّةً فِي قَوْلِهِ: لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وقيس لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ، وَالَّذِينَ ضَعَّفُوا أبا جعفر أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ ضَعَّفُوا قيسا، فَإِنَّمَا يُعْرَفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute