للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجْعَلْهُ الشَّارِعُ نِصَابًا لِعَدَمِ ضَبْطِهِ وَالْعِلْمِ بِهِ.

قَالَ أَصْحَابُ الثَّلَاثِ: قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» ، وَعَنْ أم الفضل بنت الحارث قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ؟ قَالَ: لَا» . وَهَذِهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ، رَوَاهَا مسلم فِي " صَحِيحِهِ "، فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهَا فَأَثْبَتْنَا التَّحْرِيمَ بِالثَّلَاثِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَنَفَيْنَا التَّحْرِيمَ بِمَا دُونَهَا بِصَرِيحِ السُّنَّةِ قَالُوا: وَلِأَنَّ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَدُ وَالتِّكْرَارُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الثَّلَاثُ. قَالُوا: وَلِأَنَّهَا أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ، وَقَدِ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ جِدًّا.

قَالَ أَصْحَابُ الْخَمْسِ: الْحُجَّةُ لَنَا مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَتْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، قَالُوا: وَيَكْفِي فِي هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسهلة بنت سهيل: «أَرْضِعِي سالما خَمْسَ رَضَعَاتٍ تَحْرُمِي عَلَيْهِ» . قَالُوا: وعائشة أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هِيَ وَنِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذَا أَرَادَتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ أَمَرَتْ إِحْدَى بَنَاتِ إِخْوَتِهَا أَوْ أَخَوَاتِهَا فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ. قَالُوا: وَنَفْيُ التَّحْرِيمِ بِالرَّضْعَةِ وَالرَّضْعَتَيْنِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ تَعْلِيقِ التَّحْرِيمِ بِقَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ بَعْضُهَا خَرَجَ جَوَابًا لِلسَّائِلِ، وَبَعْضُهَا تَأْسِيسُ حُكْمٍ مُبْتَدَأٍ. قَالُوا: وَإِذَا عَلَّقْنَا التَّحْرِيمَ بِالْخَمْسِ، لَمْ نَكُنْ قَدْ خَالَفْنَا شَيْئًا مِنَ النَّصُوصِ الَّتِي اسْتَدْلَلْتُمْ بِهَا، وَإِنَّمَا نَكُونُ قَدْ قَيَّدْنَا مُطْلَقَهَا بِالْخَمْسِ، وَتَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بَيَانٌ لَا نَسْخٌ وَلَا تَخْصِيصٌ.

وَأَمَّا مَنْ عَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَإِنَّهُ يُخَالِفُ أَحَادِيثَ نَفْيِ التَّحْرِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>