قَالُوا: وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِشَأْنِ الِاسْتِبْرَاءِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ الصَّحِيحَ كَوْنُهُ بِحَيْضَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ الصَّحِيحِ، فَلَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِالتَّعَلُّلِ بِالْقَوْلِ: إِنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِالطُّهْرِ، فَإِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ نَصِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخِلَافُ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَخِلَافُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ مِنَ الْأُمَّةِ، فَالْوَجْهُ الْعُدُولُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَنَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ قَضَاءً لِحَقِّ الزَّوْجِ، فَاخْتُصَّتْ بِزَمَانِ حَقِّهِ، وَهُوَ الطُّهْرُ بِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ، فَيُعْلَمُ مِنْهَا الْبَرَاءَةُ بِوَاسِطَةِ الْحَيْضِ، بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ.
قَوْلُكُمْ: لَوْ كَانَتِ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارَ لَمْ تَحْصُلْ بِالْقُرْءِ الْأَوَّلِ دَلَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فِيهِ حَسَبَتْ بَقِيَّتَهُ قُرْءًا، وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ هَذَا الطُّهْرَ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ.
فَجَوَابُهُ أَنَّهَا إِذَا طَهُرَتْ بَعْدَ طُهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ، صَحَّتْ دَلَالَتُهُ بِانْضِمَامِهِ إِلَيْهِمَا.
قَوْلُكُمْ: إِنَّ الْحُدُودَ وَالْعَلَامَاتِ وَالْأَدِلَّةَ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ إِلَى آخِرِهِ.
جَوَابُهُ أَنَّ الطُّهْرَ إِذَا احْتَوَشَهُ دَمَانِ، كَانَ كَذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ دَمٌ، وَلَا بَعْدَهُ دَمٌ، فَهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ الْبَتَّةَ.
قَالُوا: وَيَزِيدُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ قُوَّةً، أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْجَمْعُ، وَزَمَانُ الطُّهْرِ أَوْلَى بِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْتَمِعُ الْحَيْضُ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ بَعْدَ جَمْعِهِ. قَالُوا: وَإِدْخَالُ التَّاءِ فِي (ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ مُذَكَّرٌ، وَهُوَ الطُّهْرُ، فَلَوْ كَانَ الْحَيْضَ لَكَانَ بِغَيْرِ تَاءٍ؛ لِأَنَّ وَاحِدَهَا حَيْضَةٌ.
فَهَذَا مَا احْتَجَّ بِهِ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ اسْتِدْلَالًا وَجَوَابًا، وَهَذَا مَوْضِعٌ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، إِذْ لَا تَوَسُّطَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّحَيُّزِ إِلَى أَحَدِ الْفِئَتَيْنِ، وَنَحْنُ مُتَحَيِّزُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى أَكَابِرِ الصِّحَابَةِ وَقَائِلُونَ فِيهَا بِقَوْلِهِمْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute