بليغاً. . . ولا يكون الكلام بليغا إلا إذا كان مطابقاً لمقتضى الحال.
مع فصاحة كل كلمة فيه، ولكل مقام مقال، وعلى المتكلم أن يكون خبيراً بأحوال مخاطبيه. فطناً بطرق التعبير حتى يكون كلامه مؤثراً.
وهنا تظهر صلة البلاغة بأحوال النفس. وهي صلة تشغل جانباً كبيراً فيها.
فعلى المتكلم أن يعرف أقدار المعاني، ويوازن بينها وبين أقدار السامعين.
ويعرف أقدار الحالات فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاماً. ولكل حالة مقاماً.
وقد فصلت البلاغة القول فيما يناسب كل مقام. وأمدت المتكلم بالنماذج
والأسس التي يسير على هداها في كل حال، وكان علم المعاني - وهو أحد
مباحثها الثلاثة - خير معين على ذلك.
ففيه التوكيد بأنواعه، وفيه ترك التوكيد عند عدم دواعيه، وفيه الحذف
والذِكر، وفيه التقديم والتأخير، وفيه التعريف والتنكير، وفيه الفصل
والوصل، وفيه الإيجاز والمساواة والإطناب، وفيه القصر وعدم القصر، وفيه
الحقيقة العقلية والمجاز العقلي. . وهذه عناوين لأمهات مسائل تحتها كثير من
الدقائق والأسرار.
وعلم البيان مجال فسيح لتصوبر المعاني. وخلجات النفوس في أدق
أحوالها، ففيه التشبيه والتمثيل، وفيه الاستعارة، وفيه المجاز الرسل، وفيه
الكناية والتعريض، وفيه الالتفات من حالة إلى حالة لداع ومقتض. .
وفيه كثير من التوجيهات.
والتشبيه والمجاز وسائل إبراز الخيال والعواطف. ومكامن الإبداع والخلق فى
كل عمل فنى. فليس هناك وسيلة يمكن أن يصور على هداها الخيال إلا التشبيه والمجاز.