" والذي أقوله: إنه لولا أن العرب كانوا يعرفون لها مدلولاً متداولاً بينهم
لكانوا أول مَن أنكر ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - بل تلا عليهم (حم) و (ص)
وغيرهما فلم ينكروا ذلك، بل صرحوا بالتسليم له في البلاغة والفصاحة مع
تشوقهم إلى عثرة. وحرصهم على زَلة. فدل على أنه كان أمراً معروفاً بينهم
لا إنكار فيه.
ومما يضعف هذا الرأي أن منشأه جماعة من اليهود. ظنوا الأمر كذلك حين
سمعوا القرآن. ثم لم يلبثوا أن تبينوا خطأ ظنهم.
كذلك - فإن القول بأنها رموز لكثرة ورودها في السور التي هي فيها أكثر
من غيرها من الحروف الأخرى. لا عمق فيه. وما يمكن أن يُثار حوله من نقد.
ما هي القيمة البيانية لهذه الإشارات؟!
وهل هذا القول لائق بجلال القرآن وعلومنزلته؟ ؟
* * *
[* أرجح الآراء في هذا المجال:]
وبعد هذه المناقشة السريعة يبدو واضحاً أن أرجح هذه الاتجاهات على
الإطلاق ما ذهب إليه قطرب والفراء من أن تلك الحروف علامات دالة ورموز منصوبة فحواها أن هذا القرآن الذي أعجز العرب أمره. وبانَ لهم وجه التحدى فيه ليس بلغة غير لغتهم بل هو مؤتلف من مادة اللغة التي يحذقونها.
ويجيدون التبارى فيها. ولهم تفنن في أساليب وطرق تعبيرها. إذ لو كان بغير
لغتهم لما صح به التحدى ولكان لهم عذر في الإعجاز من أوسع طريق. وأغنى مورد.
ويرجِّح هذا الرأي أمور:
أ - أن ستاً وعشرين سورة مما فواتحه حروف مقطعة مكية النزول، والعلة أن
مظاهر العناد والتحدى للدعوة الجديدة في مكة قد بلغ نهايته فناسب ذلك أن