ولما كان إنبات الحَب وما أشبه يُرى إثر انشقاق الأرض لأنها لا تنشق إلا به،
وكان الفاصل بينهما دقيقاً إلى درجة التلازم في الوجود جاء حرف العطف
" الفاء " المفيد للتعقيب مع الترتيب. وبهذا تنتهى مراحل إعداد الطعام
الثلاث.
ولما كان العطف فيما بقى ليس عطف مرحلة على مرحلة. وإنما عطف جزء من المرحلة - الأخيرة - على جزء آخر منها. وهذه الأجزاء لا يتصور فيها سابق ولا لاحق بل قد تنبت متصاحبة أو متفرقة دون أن يكون لتفرقها في الإنبات دور وعظي تؤديه. لهذه الاعتبارات كلها كان
حرف العطف " الواو " إذ هى أليق بالمقام لأنها لا تفيد ترتيباً
ولا تعقيباً ولا تراخياً. بل هي - كما هو معلوم - لمجرد العطف.
وفي تقديم الحَب على النِعَم المذكورة معه. وجعله أصلاً صالحاً للعطف عليه
سر دقيق. ذلك لأن الحَب يُصنع منه الخبز وهو أهم ما يعتمد عليه الإنسان فى حياته وحفظها. أما الأخرى فهى نعم - وإن كان لها دور كبير في حياة
الإنسان - فإنها دونه.
وكما خولف في فاصلة رأس الموضوع: (فَليَنظر الإنسَانُ إلى طعَامه)
خولف - كذلك - في نهايته: (متَاعاً لكُمْ وَلأنْعَامَكُمْ) .
* *
[* مشاهد مطوية:]
وانتهت مراحل إعداد الطعام عند هذا الحد. ولم يدخل فيها جمع الزرع
وحصده. . . ودرسه وتذريته ثم طحنه وخبزه.
وهذه خطوات سابقة ضرورة لانتفاع الإنسان بما يطعم. لكن القرآن طوى
ذكرها ولم يتعرض لها.
والسر: أن هذه الخطوات إنما يقوم بها الإنسان نفسه. وليست من مراحل
التكوين بل هي مراحل ثانوية مختصة بتهيئة " الذوات " بعد تكوينها