ومن مظاهر التهذيب في ألفاظ القرآن أن ما يختل فيه شرط الفصاحة بالطول
من الكلمات يأتي عذباً جميلا فيه لبناء تلك الكلمات في أسلوبه على نسق
بديع يجنبها ثقل التطويل.
ففى القرآن كلمتان بلغت حروف إحداهما عشرة أحرف وهي:
(ليَسْتَخْلفَنَّهُمْ) ومثلها ثقيل على اللسان ناب في السمع، أما هي فقد
وقعت موقعَا عذبا لا ثقل فيه ولا نبو وذلك لأن مخارج حروفها فيما بينها
متباعدة. ونظم حركاتها ساحر. إذ تتكون من أربعة مقاطع - ينتهى كل مقطع بسكون يسكن معه النفس فتخرج الكلمة متجزئة كأنها أربع كلمات لا كلمة واحدة.
والكلمة الأخرى بلغت حروفها تسعة أحرف. وهي: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ) ،
وجاءت ذات ثلاثة مقاطع.
وقد تكرر فيها الياء والكاف. وتوسط الكافين مد هو سر الفصاحة في الكلمة كلها. لأنه خفف من اجتماع المثلين. كما فصل بين
اليائين بالكاف الأولى والفاء. وانتهى كل مقطع من مقاطعها الثلاثة بالسكون
كذلك. فنزلت منزلة ثلاث كلماتا كما ترى. وعذبت رغم طولها.
* *
[* سياسة لغوية:]
وهذا - أعنى سكون المقاطع - سياسة لغوية مطلوبة في تهذيب بعض
الألفاظ التي يُلمح فيها نوع من الثقل بسبب الطول. أو توالى الحركات.
ألا ترى أن النحاة يلجأون إلى مثل هذا حينما يُسكَنون ما أصله التحريك فراراً من ذلك الثقل.
وبذلك حكموا بتسكين آخر الماضي إذا اتصل به ضمير رفع
متحرك مثل: " ذهبت ".
وعِلتهم في ذلك كراهة توالى أربعة متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة.