ولا صهر بوجه من تلك الوجوه - رأيته يتلطف في الانتقال من أحدهما إلى
الآخر إما بحسن التخلص والتمهيد، وإما بإمالة الصيغ التركيبية على وجه
يتلاقى فيه المتباعدان ويتصافح المتنافران ".
فالطريقة المفضَّلة في القرآن أنه لا يسترسل في الحديث عن الجنس الواحد
من المعاني استرسالاً يرده إلى الإطالة المملة، بل يعرض في الوحدة - السورة
- الواحدة مجموعة من المعاني يربط بينها برباط خاص.
هذا هو الرأي الصائب الذي عليه جُلة العلماء وفضلاؤهم، والذي يؤيده
الواقع وتنطق به الآيات.
* * *
[* هل في القرآن اقتضاب؟]
وقد خالف فريق من الباحثين - بحسن نية وضعف إدراك - ما أجمع عليه
السَّلف والخَلف فادعوا غير ذلك، وهم واهمون.
قال أبو العلاء بن غانم:
" إن القرآن إنما ورد على الاقتضاب الذي هو طريقة العرب
من الانتقال إلى غير ملائم.
وأن ليس في القرآن شيء من حسن التخلص ".
وقال العز بن عبد السلام:
" المناسبة علم حسن، ولكن يُشترط في حسن
ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره.
فإن وقع على أسباب
مختلفة لم يقع فيها ارتباط. ومَن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا
بربط ركيك، يُصان عن مثله حسن الحديث فضلاً عن أحسنه فإن القرآن نزل فى نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة.
وما كان كذلك لا يتأتى فيه ربط - بعضه ببعض.
* *