الفصل الثاني
قيمة الوجوه البلاغية في جمال التعبير اللغوي
ندرس في هذا الفصل المقومات البلاغية في تكوين الأسلوب الأدبي الرفيع،
ودور هذه الوجوه في توجيه النقد الأدبي في مراحله المختلفة. محاولين بذلك دفع الهجوم الظالم على البلاغة العربية ومحاولة التهوين من شأنها في مجال النماذج الأدبية ونقدها. عارضين كل ذلك في إيجاز واف.
ويجب أن نُفرِّق - من الآن - بين مسألتين هامتين:
الأولى: البلاغة كفن من فنون الجَمال التعبيرى.
والثانية: البلاغة كعلم له قواعد وأصول.
والبلاغة كفن سابقة في الوجود على البلاغة كعلم، لأن البلاغة كعلم لم
تُستنبط إلا في مرحلة متأخرة عن وجود موضوعها ومجالها الذي برزت فيه.
شأنها في ذلك شأن جميع العلوم اللغوية، فعلم النحو وعلم الصرف وعلم
العروض إنما وجدَت نتيجة للبحث والدراسة في النصوص النثرية والشعر ية. .
والعربي إنما كانَ يتكلم على هدى من علمي النحو والصرف دون وقوفهَ على تلك الاصطلاحات التي جَدت في عصور الدراسة والتدوين، والشاعر العربي كان ينطلق في شعره دون أن يدرى على أي بحر من بحور الخليل أنشأ قصيدته.
ودون أن يعلَم ما شاع في شِعره من علل أو زحاف. وكذلك كان البليغ منهم يجرى في تعبيره مع سجيته. ويصور معانيه كما يحسها خياله مشبهاً ومكنياً ومستعيراً، ومقدَماً ومؤخراً. ومؤكداً أو تاركاً للتوكيد. . .
إلى آخر هذه الاعتبارات دون أن يلحظ ما توصل إليه السكاكى أخيراً من تأصيل وتقعيد لعلم البلاغة: معانيها وبيانها ومحسناتها في المعنى أو اللفظ.
هذه حقيقة لا يمكن أن تُنكر.