فقد أسند السعى إلى النور وليس هو فاعله الحقيقي. وهذا مجاز حكمى -
كما يسميه عبد القاهر - أو عقلي كما اشتهر عند المتأخرين.
والتقدير: يسعون بنورهم.
والعلاقة اللزومية لأن النور ملازم لهؤلاء.
والقرينة: استحالة أن يسعى النور منفرداً.
[* السر البلاغي لهذا المنهج:]
والسر البلاغي أن كل شيء أصبح في خدمة هذا الطريق.
حتى النور أصبح خادماً لهم، يمهد الطريق ويسير عن أيمانهم وبين أيديهم.
فهاتان كنايتان رائعتان بديعتان.
فهو يسعى بين أيديهم وبأيمانهم لأن هاتين الجهتين هما اللتان يتلقى المؤمنون سجلات أعمالهم عن طريقهما، كما أن الكفار يؤتون كتبهم عن شمائلهم ومن وراء ظهورهم.
إذن فهما كنايتان عما قدموا من عمل صالح. فحققوا لأنفسهم رضا الله
ورحمته، ويجوز حمل العبارة على التمثيل. بأن مثل الله حالهم وما يلقونه من
تكريم ورضوان بقوم هذه حالهم من سعى النور أمامهم وعن أيمانهم.
وصورة أخرى مماثلة. وهي قوله تعالى: (نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) .
وليس بين الصورتين إلا فرق، واحد ففى الآية الأولى قدم: " يسعى " على
الفاعل المجازي: " نورهم " وأسند الفعل إلى صريح لفظ الفاعل.
وفي الآية الثانية قدّم: " نورهم " وجعل مبتدأ وأخر الفعل: " يسعى "
وأُسند إلى ضمير النور إسناداً مجازياً. . . وليس بعد ذلك بينهما من فرق.