وقوله تعالى: (وكَذَلكَ اليَوْمَ تُنْسَى) . . فيه تهكم بالمخاطب وتوبيخ على
ما قدم، لأن الواقع ألا نسيان ولا إهمال بل جزاءً وفاقاً، أي نعاملك اليوم
بمثل ما كنتَ تعاملنا به في الحياة الدنيا.
*
[* أصالة المشاكلة في القرآن:]
فأسلوب المشاكلة أسلوب أصيل في القرآن الكريم، وهو جدير بأن يُلحَق -
كذلك - بأقسام البيان الأصيل، لأنه من مقتضيات الأحوال، كما نَصَّ على
ذلك العصام فيما نقلناه عنه، فهى إما مجاز مرسل كقوله تعالى:
(وَجَزَاءُ سَيئَة سَيئَةٌ مَثْلهَا) وما جرى مجرى هذه الآية،
وإما استعارة كقول أبى الرقعمق:
قَالُواْ اقْتَرِحْ شَيْئاً نُجِدْ لكَ طبْخَهُ. . . قُلتُ اطبِخُوا لِى جُبَّةً وَقَمِيصاً
قال الإنبابي: " وقد تلخص من كلام ابن يعقوب والحفيد أن المشاكلة واسطة
بين الحقيقة والمجاز والكناية، وقيل: إنها دائماً مجاز مرسل علاقته المجاورة
التي هي هنا الوقوع في الصحبة، وقيل: إنها تجامع المجاز المرسل والاستعارة
إن لوحظ علاقتهما، وإلا فهى واسطة - قاله بعض المشايخ ".
وقد خالف عبد الحكيم القول بأن المشاكلة من المجاز فقال معلقاً عليه:
" القول بكونه مجازاً ينافى كونه من المحسِّنات البديعية، وأنه لا بدَّ في المجاز
من اللزوم بين المعنيين في الجملة، فتعيَّن الوجه الأول ".