[* صورة خامسة - قسوة قلوبهم وتحجرها:]
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤) .
وفي هذه الصورة وصف لتحجر قلوبهم التي لا يفقهون بها. شبهها في عدم
تأثرها بالحق واستجابتها لداعي الهدى بالحجارة. ووجه الشبه القسوة، وهنا
نلمح خاصة فريدة في تشبيه القرآن. فقد سبق عندما شبَّه القوم بالأنعام فى
الضلال. أنه ترقى في التشبيه ولم يرض مساواتهم بالأنعام فقال: (بَلْ هُمْ
أضَلُ) . وقال: (بَلْ هُمْ أضَل سَبِيلاً) .
مع ملاحظة أن هذا الترقي في التشبيه مقترن بظواهر تعبيرية هي إذا ذكر
نفى العقل عنهم، أو نفى الفقه.
أو وردت كلمة القلوب، ففى " الأعراف "
كان التعبير: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) .
وفي " الفرقان ": (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤) .
وكذلك في موضعنا هذا: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)
فترقى في التشبيه هنا. كما ترقى في الموضعين السابقين.
وليس هذا الترقي مبالغة مكذوبة. بل هو حقيقة واقعة
فالحجارة أنواع: نوع يتفجر منه الأنهار.
ونوع يشقق فيخرج منه الماء.
ونوع يحس ويتأثر ويهبط من خشية الله.
وقلوب هؤلاء ذاهبة في التجمد والتحجر مذهباً
فقدت فيه وظائفها ففاقت الصخور في قساوتها
وهي كتلة من لحم ودم.