قبل الفاصلة ليمهد للحكم عليهم فقال: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢) .
وكون الفاصلة هنا - كذلك - مسلك اقتضته البلاغة، ودعا إليه المعنى
توبيخاً لهم وإظهاراً لحقارة ما تعلموه من فن السحر والأباطيل.
وجاءت الفاصلة في الآية الثالثة مماثلة للثانية تماماً: (لوْ كَانُواْ يَعْلمُونَ)
لأن الآية الثالثة تأكيد لما جاء في عجز الثانية. لذلك اتحدتا في الفاصلة.
وهذا - كما سبق - أمر اقتضاه المعنى في المواضع الثلاثة.
وهذا شرط حسنها والحرص على الإتيان بها متماثلة.
* * *
* مغزى الفاصلة معنوي أولاً:
قال الزمخشري في كشافه القديم: " إنه لا تحسن المحافظة على الفواصل
لمجردها إلا مع بقاء المعاني على سدادها على المنهج الذي يقتضيه حسن النظم
والتئامه - كما لا يحسن تخير اللفظ المونق في السمع، السلس على اللسان
إلا مع مجيئه منقاداً للمعاني الصحيحة المنتظمة.
فأما أن تهمل المعاني ويهتم بتحسين اللفظ وحده. غير منظور فيه إلى مؤداه على بال. فليس من البلاغة فى فتيل أو نقير.
ومع ذلك يكون قوله: (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) .
وقوله: (وَمما رَزَقْنَاهُمْ يُنفقُونَ) لا يتأتى فيه ترك التناسب في العطف
بين الجمل الفعَلية إيثاراً للفاصَلة لأن ذلك أمر لفظي لا طائل تحته.
إنما هذا إلى قصد الاختصاص ".
* * *