لذلك فإنك ترى الناس يذهبون مذاهب شتى في بيان المراد من لفظ فيه،
أو جملة.
والاختلاف في بيان المراد من ألفاظ القرآن وجمله كان مورداً غنياً للمفسرين
والمشرِّعين والفقهاء. وجهودهم في ذلك معروفة لا تحتاج إلى بيان.
وذكر مقاتل في صدر كتابه حديثاً مرفوعاً:
" لا يكون الرجل فقيهاً كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة ".
*
[* لماذا كان المعنى في القرآن ثريا؟]
ساعد على ثراء معاني القرآن أمور نوجزها فيما يلى:
١ - ما في طبيعة بعض ألفاظه من مرونة وغنى بحيث ترى للكلمة الواحدة
عدة معان، لا تنكرها اللغة بحسب الوضع، ولا يرفضها الدين من حيث العمل والاعتقاد.
٢ - ما في طبيعة بعض تراكيبه من عموم وشمول فيما يحسن فيه العموم
والشمول. فتختلف وجهات النظر حول المراد، ويشمل هذا الفهم التعدد وصف " واحد "، هو أنه فهم لا يتنافى مع طبيعة النصوص، ولا يتنافى مع حقائق الشرع كاختلافهم حول ليلة القَدر، والليلة المباركة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، والمراد بالليالى العَشر في سورة الفجر، والمراد بالشفع والوتر. . . وغير ذلك كثير لا يكاد يخلو منه موضع في القرآن.
٣ - ما في وجوه قراءاته من تباين يختلف معه المعنى ويتعدد ويتكاثر مثل
قوله تعالى:(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) - برفع اسم
الجلالة مرة على أنه فاعل، وإسناد الَخشيةَ إليَهَ يكون حينئذ بمعنى: التجلة