فما يفيد الاختصاص قوله تعالى: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦) .
قال: " إنما قال: بل الله فاعبد " ولم يقل: " بل اعبد الله "، لأنه إذا
تقدم وجب اختصاص العبادة به دون غيره.
ولو قال: " بل اعبد " لجاز إيقاع الفعل على أي مفعول شاء.
[* مراعاة النظم:]
ومما التقديم فيه - عنده - لمراعاة نظم الكلام قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) .
قال: " وقد ذكر الزمخشري في تفسيره أن التقديم في هذا الموضع قُصِدَ به
الاختصاص وليس كذلك، وإنما قُدم لكان نظم الكلام، لأنه لو قال:
" نعبدك ونستعينك " لم يكن له من الحسن ما لقوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعينُ) .
ألم تَر أنه تقدم قوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) .
فجاء بعَد ذلك قولهَ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعينُ)
وذلك لمراعاة حسن النظم السجعي الذي هو على حرف النون.
ولو قالَ: " نعبدك ونستعينك " لذهبت تلك الطلاوة، وزال ذلك الحسن.
ثم يخلص من ذلك كله إلى إبطال ما ذكره الزمخشري وغيره من علماء البلاغة، والحق أن الصواب جانبَ ابن الأثير في هذا.
والصحيح مذهب الزمخشري والبلاغيين.
ومن مراعاة نظم الكلام عنده قوله تعالى: (فَأوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) .
ومنه أيضاً قوله تعالى: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (٣٢) .