وعلى هذا الأساس مضى عبد القاهر في " الدلائل " يعرض لوجوه تركيب
الكلام ويحلل الأساليب والنصوص المختلفة. سائراً في دراسته على المنهج الذى وضع أصوله هو محتكماً إلى الذوق والعُرف اللغوي كثيراً. لافتاً إلى مواطن الحسن والقبح في الأسلوب على أساس من التوجيه العلل.
فكان بهذا رائداً من رواد النقد الجمالى والذوق المصفى دون منازع.
وتراه يقترب من الحديث عن وجه الإعجاز في القرآن.
فيقول:" فإذا بطل أن يكون الوصف الذي أعجزهم من القرآن في شيء مما عددناه لم يبق إلا أن يكون الاستعارة، ولا يمكن أن تكون الاستعارة الأصل في الإعجاز، وأن يقصد إليها. لأن ذلك يؤدى إلى أن يكون الإعجاز في آى معدودة، في مواضع من السور الطوال مخصوصة.
وإذا امتنع ذلك فيها لم يبق إلا أن يكون في النظم - والتأليف ".
* * *
[* استداراك منصف:]
ويستدرك عبد القاهر سؤالاً عن وظيفة الاستعارة حين رفض أن تكون الأصل
فى الإعجاز هل هي خارجة عنه؟
ويجيب عن هذا السؤال فيقول: (فإن قيل:
قولك:" إلا النظم " يقتضي إخراج ما في القرآن من الاستعارة وضروب المجاز من جملة ما هو به معجز؟ وذلك ما لا مساغ له؟
قيل: ليس الأمر كما ظننت بل ذلك يقتضي دخول الاستعارة والكناية والتمثيل وسائر ضروب المجاز من بعدها من مقتضيات النظم، وعنها يحدث وبها يكون لأنه لا يُتصور أن يدخل شيء منها في الكلام وهي أفراد لم يتوخ فيما بينها حكم من أحكام النحو.
فلا يُتصور أن يكون ههنا فعل أو اسم قد دخلته الاستعارة من