١ - أن ما قُدِّم فيه: (كُونُواْ قَوامينَ بالقسْط) . خطاب خالص
للمؤمنين لأن القوامة لله عند المؤمنين أمر متحقق، والمطلوب تحرى العدل فى
الشهادة والحكم. وذلك في سورة النساء.
وقد ذكر الواحدى أن الآية نزلت في النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: " روى أسباط عن السدى قال: نزلت في النبي - صلى الله عليه وسلم -
" اختصم إليه غنى وفقير. وكان ضلعه مع الفقير رأى أن الفقير لا يظلم الغنى فأبى الله تعالى إلا أن يقوم بالقسط فى الغنى والفقير
فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) -
حتى بلغ: (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا)
٢ - وأما ما قُدم فيه: (كُونُواْ قَوَّامِينَ للهَ) فهو خطاب للمؤمنين
والناس عامة. لأن السورة في كثير من الآراء نزلت بحجه الوداع، أو هي آخر ما نزل من القرآن، ولهذا فإن أهل مكة داخلون في المخاطبين بها، إذ هي فى مقام الإرشاد العام. لذلك قدم فيها: (كُونُواْ قَوامِينَ لله)
لأن القوامة لله أمر ليس بمتحقق عند جميع المخاطبين.
بل متحقق عند بعَضهم دون البعض الآخر.
[* دلالة النص نفسه:]
ولنا من نصوص الايتين شاهد. فآية المائدة تُشعر بأنها توصى المسلمين عامة
بتحرى العدل حتى مع قوم هم عدو لهم: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) .
والقوم - هنا - هم المخالفون في الدين، وهذا لا يكون إلا حين يختلط
المسلمون بهم، فهم - أي المخالفون - تفترض الآية وجودهم.
ولا شك أن أهل مكة مهتمون بما تلاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الناس في حجة الوداع، متناقلون له.