والذى حملهم على ذلك قوة ملاحظة المحذوف.
وهذه خاصة من خصائص التشبيه القرآني.
تضاف إلى ما ذكرناه من خصائص في الفصل السابق.
وقد مهَّد القرآن لهذا الحكم بقوله تعالى: (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨) .
* *
* الكافرون. . والصيِّب:
(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (١٩) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)
وهذان المثلان - فضلاً عما فيهما من دقة تصوير وإصابة مرمى - يشتملان
على صور جزلة من المجاز اللغوي والعقلي. وضروب من التشبيه ازدان بها
الأسلوب. وقوى المعنى.
فقد قال: (ذَهَبَ اللهُ بنُورهِمْ) ولم يقل:
ذهب نورهم. . لأن الذهاب المجرد ليس مثل أن يذهب الله به.
فنحن نلمس الفرق بين أن يقال: شرب الخمر حتى ذهب عقله.
وأن يقال: شرب الخمر حتى ذهبت الخمر بعقله.
فالعبارة الثانية أقوى من الأولى. لأن الخمر ذهبت بالعقل وانتبذت به مكاناً
قصياً. فهنا ذاهب ومذهوب به.
وكذلك: (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) أقوى من أن يقال: ذهب نورهم.
ومنه قولهم في المبالغة: ذهبت به الخيلاء. وذهب السلطان بماله.
*