فالحذف في الآية الأولى يمكن حمله على غرض آخر مؤداه: أن مَنْ صدر
منهم هذا الكلام: (أهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) - وهم المشركون -
ينكرون أن يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - مبعوثاً رسولاً من عند الله. لذلك صدروا مقولتهم بالاستفهام الإنكارى.
فإثبات الرسالة له أمر لا تساعدهم عليه أنفسهم ولذلك
جاء التعبير مصوراً للقلق النفسي الذي كان يساورهم من أمر الرسالة.
حيث حذف المفعول لأنهم يكرهون وقوع بعثه رسولاً في الواقع.
لذلك لم يوقعوا الفعل " بعث " على ضميره ليطابق اللفظ حالتهم النفسية.
* *
[* كراهة نسبة الرسالة هي السبب:]
إذن فكراهة نسبة الرسالة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - في الواقع وفي اللفظ هي التي أوحت بحذف المفعول.
وهذا الحذف يُصور لنا ما وراء اللفظ من خفايا نفوسهم وظواهرها.
لا أن الحذف جاء لمجرد الاختصار - كما يقولون!
ولهذا نظير عندهم من غير باب حذف المفعول.
وهو قول الشاعر:
إذا سَئِمَتْ مُهَندَهُ يَمِينٌ. . . لِطولِ العَهْدِ بَدَّلهُ شِمَالاً
والأصل: يمينه. أي يمين الممدوح. فحذف الهاء الواقع مضافاً إليه.
وعللوه بقولهم: إنه لكراهة إسناد السأم ليمين الممدوح.
فأخرج الكلام مخرج مطلق يمين لا يمينه هو.
والآية الثانية: (أرِنِى أنظرْ إليْكَ) . قدَّروا فيها المحذوف: ذاتك.
وحملوا حذفه على مجرد الاختصار.
* *