الدعوى أغنى عن ذكرهما في الرد عليها. كما نلاحظ دخول حرف الجر على الوصف وحقه ألا يدخل عليه. وذكره عفيد لتأكيد النسبة. لينفى عنهم - نفياً مؤكداً - ما أرادوا أن يروجوه عنهم رواجاً مؤكداً.
ولهذا تعادلت كفتا الميزان.
ثم لننظر إلى دقة التعبير القرآني. إنه قال: (مَن يَقُولُ آمَنا) ولم يقل:
" ومن الناس من آمن بالله " لأن القول غير الإيمان.
ولو كان كذلك لما جاز نفيه وإلا أدى إلى تناقض يحتاج إلى تحرج بعيد.
فكل لفظة فيه موضوعة بحساب.
(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩) .
هذا شروع في تفصيل قصة المنافقين و " الخدع " أن يوهم صاحبه خلاف
ما يريد به من المكروه من قولهم: ضب خادع، إذا أمَر الحارس يده على باب جحره أوهمه إقباله عليه ثم خرج من باب آخر.
فكيف جاز - إذن - إطلاقه على الله. وهو العليم الخبير؟
*
[* الخداع في جانب الله:]
يجيب على ذلك صاحب المفردات فيذكر قوله تعالى: (يُخَادعُونَ اللهَ)
ثم قال: " أي يخادعون رسول الله وأولياءه ".
ونسب ذلك إلى الله تعالى من حيث أن معاملة الرسول كمعاملته.
ولذلك قال تعالى: (إن الَّذِينَ يُبَايعُونَكَ إنمَا يُبَايعُونَ اللهَ) ، وجعل ذلك خداعا تفظيعاً لفعلهم وتنبيهاً على عظم الرسول وعظم أوليائه، وقول أهل اللغة: إن هذا على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه فيجب أن يُعلم أن المقصود بمثله في الحذف لا يحصل لو أتى بالمضاف المحذوف لما ذكرنا من التنبيه على أمرين: