القرآن الكريم هو معجزة الخلود، بل هو المعجزة الفريدة التي لم يُعرف لها
مثيل، وهو معجزة خالدة فريدة لأنه لم يتقيد بما قُيدت به غيره من المعجزات، من ظهورها في لحظة معينة تتاح خلالها مشاهدتها لمعاصريها فتؤدى وظيفتها
فيهم بما تحمل من الخوارق وتعيها - بعد - الذاكرة، ويظل سلطانها قوياً على النفوس ما دام مَن شاهدوها أحياء صالحين لتحملها وروايتها لن لم يحظ بتلك المشاهدة من الأجيال. أمناء في نقلها وصدق الإحساس بعظمة مدلولها: صدقاً يبدو من جدية الحديث، أو استقامة السلوك، أو رهبة الوقف وجلال الأثر.
فإذا لبثت المعجزة عمراً ذهب خلاله مَن كان حياً من مشاهديها. وأغمض
الموت أعيناً كانت قد شاهدتها. وفَنِىَ مَنْ فَنِىَ ممن سمعوها عنهم مشافهة
فإنها حينئذ تصبح واقعة من وقائع التاريخ، لا ينكَرها مَن آمن بمصدرها لأنه
يثبت له قدرة ليست ذات حدود. أما لدد الخصوم، فإن لهم جرأة حمقاء تحملهم على إنكارها ونفيها، ما دامت لم تقع تحت حاسة يمكن عن طريقها إدراكها وفحصها.
فقد فلق موسى عليه السلام البحر بعصاه - هذا حق - وقد أحيا عيسى عليه السلام الميت بإذن ربه - وهذا حق كذلك - ولكن كم من المعاندين رفضوا كل ذلك، وغير ذلك مما تقدم عليه في الرسالات السابقة.
وهم لا يعدمون شُبهة يتمسكون بها، لأنهم لو ذهبوا إلى البحر الذي فلقه موسى عليه السلام لوجدوه