وثانيهما: مذهب " المتكلفون " الذين يبعدون في معانيهم ويحتالون لإيراد
" البديع " في شِعرهم يزينونه به، وإن كان ذلك على حساب المعنى. وجودة
التعبير، ويمثل هؤلاء أبو تمام.
وقد رأينا أن أول مَن حمل حملة شعواء على أصحاب البديع هو ابن المعتز،
بل إنه وضع كتابه للرد عليهم خاصة، وأنهم لم يأتوا بجديد لم يعرفه السابقون
بل إن إسرافهم فيه جعل له بهم شبه إضافة.
نقول: كانت هذه البوادر كلها سبباً في نشأة الخصومة الأدبية والفكرية بين
أنصار القديم والطبع. وأنصار الجديد والصنعة. وهذه الخصومة لم تقم على
غير أساس. بل كانت تعتمد على فروق في الأساليب بين المذهبين. - وهذه
الفروق لم تتضح إلا من كتابات البلاغيين، ولم تعتمد على شيء مثل اعتمادها على الوجوه البلاغية التي يستخدمها الشاعر أو الناثر في أسلوبه للكشف عن معانيه.
* * *
[* صلة البلاغة بقضايا النقد الكبرى:]
ونتيجة لذلك عالجت البلاغة قضيتين من أخطر قضايا النقد. وهما قضية
اللفظ والمعنى، وقضية الموازنة بين معنى ومعنى.
وليس من اليسير معالجة هاتين القضيتين في جزء من بحث. ولذلك فإننا
نتناولهما في إيجاز نتبين من خلاله صلة البلاغة بقضايا النقد الكبرى. ومدى
تأثيرها في صقل الأساليب وإجادة المعنى.
أما قضية اللفظ والمعنى فإن النقاد ينقسمون حولها ثلاثة أقسام:
فريق يُقدم المعنى على اللفظ. وينسب إليه كل فضل في صناعة الأدب ونقده، يقول ابن رشيق: " اللفظ جسمٌ روحه المعنى، وارتباطه به كارتباط الروح