أتى بأمر عظيم ولا شك في أنه صار كاتباً مفلقاً. وإذا نظر إلى كتاب زماننا
وجِدوا كذلك، فقاتل الله القلم الذي يجري في أيدى الجهال الأغمار ".
* * *
[* تقديم اللفظ على المعنى:]
ويقابل هذا الرأي اتجاه آخر يرى القائلون به أن الصياغة هي المقوِّم الأساسى
للأدب، فلا بدَّ أن يستوفى الأسلوب مقوماته اللفظية، أن تكون الجمل
مستوفاة خصائص الصياغة الفنية ليدخل الكلام في باب الأدب لأن المعاني
مشاع بين الأدب وغيره من العلوم، ولكن الذي يُفرق بين الأدب والعلوم الأخرى إنما هي اللغة بما فيها من فنون تعبيرية وخصائص فنية، ولذلك فإن المعاني العلمية يمكن أن تؤدى في أساليب أدبية إذا سلك كاتبها مسالك المتأدبين.
وهذا الرأي يسمو بالألفاظ في نظرته لها، ويجعل المعنى دونها وإن كانت
الصلة بين العنصرين وثيقة العرى.
من هؤلاء الجاحظ حيث يقول: " والمعاني مطروحة على الطريق يعرفها
العجمى والعربي والبدوى والقروى والمدنى، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير
اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وفي صحة الطبع وجودة السبك فإنما الشعر صياغة وضرب من النسج وجنس من التصوير ".
ومنهم قدامه بن جعفر، إذ يرى أن المعاني مادة الشعر، واللفظ صورته،
ولا ينبغى الحكم على الشعر بمادته - أي معناه - وإنماَ يُحكم عليه بصورته - أى عباراته - كما لا يُعاب النجار من حيث رداءة الخشب في ذاته، وإنما يُمدح أو يُذم من حيث صناعته هو.
ومنهم ابن خلدون إذ يعتبر الألفاظ أصلاً والمعاني تابعة لها. وهو في هذا
يردد ما ذهب إليه الجاحظ ولكنه غالى في قيمته. وأفرط في حكمه. وفي هذا