[* دور الرد والمناقشة:]
وجاء دور الرد والمناقشة فيما أعلنوه وما أسروه
فترى القرآن لا يبدأ بمحاورتهم في دعوى إيمانهم بكتابهم. بل يتركها مؤقتاً
كأنها سليمة ليبنى عليها وجوب الإيمان بغيره من الكتب فيقول:
" كيف يكون إيمانهم بكتابهم باعثاً على الكفر بما هو حق مثله؟
لا بل (هُوَ الحَق) كله وهل يعارض الحق الحق.
فيكون الإيمان بأحدهما موجباً للكفر بالآخر "؟
ثم يترقى فيقول: " وعجيبة العجائب أن الحق الذي كفروا به جاء (مُصَدِّقاً)
لما سبق من الكتب المنزلة - ومنها التوراة التي آمنوا بها - فكيف يُكَذِّب به مَنْ يؤمن بهاً؟
ثم يستمر مفنداً حالتهم فيقول: " لو أن هذا الكتاب جاء مصدقاً لمقاصد
فى الكتب المنزلة بعده، وكانت هذه المقاصد مما طمسها التحريف لكان لهم عذر فى كفرهم. لكن كيف يكون لهم عذر وقد جاء هذا الكتاب (مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ) مما يتلونه ويدرسونه ويعلمونه "؟
فانظر إلى الإحكام في صنعة البيان.
إنما هي كلمة رُفِعَت وأخرى وُضِعَت فى مكانها عند الحاجة إليها.
فكانت حَسْماً لكل عذر، سادة لكل باب من أبواب
الهروب، بل كانت بمثابة حركة تطويق للخصم
أتت في خطوة واحدة هادئة رزينة.
* *
[* إفحام الخصم:]
وبعد هذا التعليق الفاضح للخصم، الكاشف لنواياه السيئة، القاطع عليه
طريق النجاح. انبرى القرآن للرد على المقصد الأصلى الذي تبجحوا بإعلانه.
وهو دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم فأوسعهم إكذاباً.