ولستُ مع عبد الجبار وأستاذه الجبائى حين يقرران أن روعة النظم شيء،
والفصاحة شيء آخر. ولستُ أفهم على أي أساس بنيا هذه الفكرة فالأسلوب ذات. . وكل من الفصاحة والبلاغة عَرَض. ولا بدَّ للعَرَض من ذات حاملة. .
فلو كنا نعثر على بلاغة أو فصاحة في غير نظم وأسلوب: جاز لنا هذا التفريق.
أما ونحن غير واجدين البلاغة والفصاحة إلا وصفاً لكلام، فإن هذه الآراء تبدو شيئاً قريباً من المغالطات التي لن يقبلها منصف. .
* * *
[* دور البلاغة في الأسلوب الجميل:]
ولقد اهتمت البلاغة العربية بتوجيه الأسلوب ابتداءً من الحرف، فالكلمة،
فالجملة، فالأسلوب كله. ولم تقصر في هذا الشأن. وفصلت الكلام على
أقدار المخاطبين، فكان اختلاف المقامات الذي يتبعه اختلاف في الكلام نفسه
من إيجاز وإطناب ومساواة. . . إلى آخر هذه الاعتبارات.
ومن توكيد مختلف الدرجة، إلى خلو من التوكيد، من ذكر إلى حذف، من
تقديم إلى تأخير، من إظهار إلى إضمار، من وصل إلى فصَل، ولم تحجر على
المتكلم بقوالب جامدة فأعطته الحرية في حُسن تقديره للاعتبارات المناسبة.
وجعلت من حقه أن يخالف الظاهر له من أحوال المخاطبين ويسلك بهم طريقا غير الظاهر ما دام قد رأى اعتباراً آخر مناسباً يحسن أن يورد عليه الكلام، فكان علم المعاني كفيلاً بهذه التوجيهات.
كما وُضِعَت الوسائل الكاشفة عن صور الخيال والمبالغة في إيراد المعاني
ميسَّرة أمام المتحدث فيستعير، ويتجور ويُكَنى ويُمَثِّل.
ولا شك أن البليغ الذي يوفق لأن يضع أسلوبه على هدى من توجيهات البلاغة والفصاحة موضع إعجاب كبير عند العالِمين بجودة الأسلوب وأثره القوي في النفس.
وكان علم البيان خير معين في هذا المجال.