ولذلك احتاجت الآية إلى فاصلة مستقلة. وقد مهَّد لها - أي لهذه الفاصلة -
بما هو في قوة الفاصلة: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢) .
* *
[* دليل يؤيد هذه الفكرة:]
ويؤيد هذه الفكرة أن الغالب في الآيات القصار أن سورها مكية النزول.
وللقرآن في مكة مجال غير مجاله في المدينة. فالقرآن المكي كان يهدف إلى
محاربة الضلال في العقيدة والسلوك فجاء بموضوعات تخدم هذا الغرض من
التبشير والإنذار. والترغيب والترهيب. لذلك كانت آياته قصيرة العبارة حادة سريعة الإيقاع عنيفة الوقع.
وفي المدينة كان مجاله التشريع وإرساء قواعد المجتمع الإنسانى من حيث العبادات والمعاملات والأخلاق الإنسانية فاتجهت سوره وآياته إلى الطول والاستقصاء إلا أن يخاطب اليهود أو المنافقين فيكر.
والدعوة إلى الإسلام في بدء أمرها كانت لا تطلب من الناس وقوفاً طويلاً
لتأملها فساقت لهم الإرشاد والتوجيه الإلهى في سورة وآيات قصار لسهولة
فهمها وسرعة استيعابها. لأنه كان بصدد تربية أمة خالية من أسس التربية
القويمة فخاطبتهم بأوضح العبارات وأوجز المعاني كما يُفعل الآن في تريية
النشء حيث يتدرج معهم المربي من تصور وإدراك الحرف الواحد.
إلى الكلمة الواحدة السهلة التركيب إلى الجملة القصيرة وما يزال يرقى بهم من طور إلى طور حتى يصل بهم إلى فهم الفقرات ودراسة النصوص.
والمتأمل في قصار السور المكية يتبين هذه الحقيقة دون ما شك أو ريب.
وسبحان الله إذ يقول: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) .
* * *