والناظر في هذه النصوص يرى أن الرجل - عبد القاهر - يناقض نفسه، أو
أنه ما قال في شأن اللفظ والدفاع عنه إلا بعد نسيان ما قرره في جانب المعنى
ونسبة الفضل إليه، وإلا لما صح أن يقع منه هذا التضارب الذي لا يخفى شأنه على إنسان، ولا مخرج من هذا الإشكال إلا أن نقرر ما قلناه في مطلع الحديث عنه من أنه حين حمل على مَن يفضل المعاني على الألفاظ إنما كان يضع نصب عينيه مغالاة القائلين بها الرأي. وعندما حمل على مَن يفضل الألفاظ على المعاني كان كل همه أن يدفع مغالاتهم وتطرفهم فيها.
على أن في كتابه هذا - دلال الإعجاز - نصوصاً يمكن أخذ رأى عبد القاهر
من النظر إليها في وضوح.
ورأيه الذي يصل إليه الباحث هو المساواة بين العنصرين دون حيف منه على
أحدهما لحساب الآخر. فهو يقول:" ولا جهة لاستعمال هذه الخصال - يقصد حسن الدلالة - غير أن يؤتى المعنى من الجهة التي هي أصح لتأديته. . ويختار له اللفظ الذي هو أخص به وأكشف عنه وأتم له، وأحرى بأن يكسبه نبلاً ويظهر فيه مزية".
ويقول:" فقد اتضح إذن اتضاحاً لا يدع مجالاً للشك أن الألفاظ لا
تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ولا من حيث هي كلمة مفردة. .
وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ ".