وقد آثر القرآن كلمة " خَرَّ " بدل: سقط، ليشترك جرس اللفظ في الدلالة
على المعنى مع المعنى نفسه، فالساقط من عَلٍ يشق الهواء بجسمه فتسمع
لهويه صوتاً يشبه خرير الماء، ويحدث هذا في الأجسام الساقطة من مسافات
عالية بدرجة ملحوظة.
وهذا التشبيه محتمل عندهم - علماء البلاغة - التركيب والإفراد.
وأمر التركيب فيه ظاهر، أما الإفراد فقد خرجوه على النحو الآتى:
أن يُشبَّه الإيمان في علوه بـ " السماء "، والذي أشرك بالله وترك الإيمان
بـ " الخار من السماء "، والأهواء التي تتوزع أفكاره بـ " الطير المختطفة "
. . والشيطان الذي يضله بـ " الريح " التي تهوى بما عصفت به في بعض
المهاوي المهلكة ".
وجمال الصورة التي رسمها القرآن - هنا - وفي كل موضع مماثل لا يتوقف
على اعتبار التركيب أو الإفراد.
فهو أمر ثابت محسوس، وإن كنت أرى أن التركيب في مثل هذه الصورة أولى من الإفراد. لأنه لا يخلو - أحياناً - من
التكلف في التخريج وقد يكون ليس مقصوداً للهِ.
*
* وتصعَّد منهك:
وصورة أخرى مقابلة للسابقة: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢٥) .
هذا مثل مَن آثر الكفر على الإيمان. تتسلمه الأوهام الضالة. ويغتاله
الشيطان بوساوسه فيضيق صدره وتختنق أنفاسه. ويصبح أمره عسراً.