رابعاً: يحقق المجاز القرآني - وتدخل في ذلك كناياته - سمه هامة من
سماته البلاغية هي التصوير والتجسيم والتخييل.
وقوة المعنى وتقريره وإيضاحه
. . وهو لذلك يغلب فيه المجاز الاستعاري لتصوير المعقول بالمحسوس كما يكثر فيه المجاز المركب، وكل مجاز فيه بالغ حد الإعجاز بحيث لو بدلت صورة بأخرى لنبا المعنى ورفضه إحكام الأسلوب كما يرفض الجسم الصحيح عضواً غريباً رُكِّب فيه.
*
[* سكوت الغضب ووضع الحرب:]
خذ إليك مثلاً موضعين متشابهين من مجاز القرآن. وليكونا قوله تعالى
- مصوراً هدوء ثورة موسى على قومه -:
(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) .
وقوله تعالى مصوِّراً إنهاء الحرب الطاحنة:(حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) .
فسكوت الغضب أمكن - كما مَرَّ - حمله على المجاز المركب أو الاستعارة
المكنية. . أو الاستعارة التصربحية التبعية.
و" تضع الحرب أوزارها " استعارة مكنية كذلك أو تمثيل، والعبارتان
تعبران عن الهدوء الذي يعقب الحركة الشديدة. فهما متشابهان
وقد اختلفت الألفاظ من عبارة إلى أخرى - فالسكوت والغضب في الأولى، والوضع والأوزار في الثانية - كل منها موفٍ بمعناه واقع موقعه من البلاغة. فموسى إنما كان يتكلم ويتحرك فناسب ذلك السكوت بشرط أن يكون فاعله الغضب، والحرب يُحمل فيها السلاح الثقيل والخفيف، وهي نفسها شدة وخَطب، فناسب ذلك الموضع. لأنه يكون في المحمول والأوزار - كذلك - لأنها أحمال.