فالمجاز هنا تمثيلى مركب.
ولتحقيق تصوير المعنى بصورة المحسوس كانت
أجزاء الصورة كذلك مجازية.
فالبنيان هو الدين الخالص.
وشفا الجُرف الهار هو الباطل والنفاق.
وجاء من ذلك كله ذلك المعنى الآسر.
قال الزمخشري معلقاً على هذا البيان الرفيع:
" وأنت لا ترى كلاماً أبلغ من هذا الكلام. . ".
هذه الصور الثلاث آثر القرآن أن يخرجها هذا الخرج الماثل الشاخص.
* *
[* موازنة بين الصور الثلاث:]
ولنوازن بين هذه الصور الثلاث، التي كان " الحرف " و " الشفا " يمثلان
فيها أجمل لقطة من لقطات الخيال. ولنقدم لهذه الموازنة بتمهيد:
أولاً: إن أبطال أو شخوص هذه الصور مختلفون حالاً مع التقارب فى
الوصف العام، فالذي يعبد الله على حرف - الذي هو بطل الصورة الأولى - عنده حظ من إيمان وإن ضؤل. فهو - إذن - على شُعبة من هدى، وبسبب نجاة.
ثانياً: أما أبطال الصورة الثانية: (وكُنتُمْ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النارِ. .)
فإن حالهم الذي دل عليه لفظ: " كنتم " كانت متناهية في الخطورة حين كانوا متلبسين بتلك الحال. واستجابتهم إلى داعي الهدى (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا) دليل على حسن استعدادهم لتلقى التريية الصالحة إذا ما تهيأت لهم ظروفها، وحمل مشعلها هاد صالح على قدر عظيم من الخُلق والفضيلة.
ثالثاً: وأما بطل الصورة الثالثة:
(أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ)
فذو نفس خبيثة. أصرت على رفض الهدى،