إن التردى في حفرة - مجرد حفرة - فيه تعرض لخطر جسيم.
فما بالك إذا كانت هذه الحفرة مستعرة بالنار؟
ليتأمل الخيال وليصور تلك الحفرة عمقاً واتساعاً كيف يشاء.
فتلك فراغات متروكة له يدركها كيفما يريد.
وصورة ثالثة. . . . .
قال تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩) .
هاتان صورتان شاخصتان: بُنيان أسس على تقوى من الله ورضوان.
أساسه التقوى والرضوان، فهو قوى متين.
وبُنيان أسس على قواعد ضعيفة على طرف جرف هار. . فهو في غاية
الضعف لا يلبث أن ينهار.
قال الزمخشري: " أسس بنيانه على أضعف قاعدة وأرخاها وأقلها بقاء.
وهو الباطل والنفاق الذي مثله (جُرُف هَارٍ) في قلة الثبات والاستمساك.
وضع " شفا الجُرف " في مقابله التقوى. لأنه جعل مجازاً عما ينافى التقوى.
فإن قلتَ: ما معنى: (فَانْهارَ به فِى نَارِ جَهَنَّمَ) قلتُ: لما جعل الجُرف
الهائر مجازاً عن الباطل قيل: فانهاَرَ به في نار جهنم، على معنى: فطاح به
الباطل في نار جهنم، إلا أنه رشح المجاز. فجيء بلفظ الانهيار الذي هو
للجُرف، وليصور أن البطل كأنه أسس بنيانه على شفا جُرف هار من أودية
جهنم فهوى به ذلك الجُرف فهو في مقرها.
والشفا: الحرف والشفير.
وجرف الوادى: جانبه الذي يتحفر أصله بالماء
وتجرفه السيول فيبقى واهياً،
والهار: الهائر وهو المتصدع الذي أشرف على التهدم والسقوط ".