وأما ثانيتهما فقوله تعالى: (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (٢٠) .
فهم عند الخوف رعاديد تضطرب نفوسهم اضطراباً يظهر أثره على العيون.
فتدور في مكانها. لقد بلغ الخوف مداه. حتى إن حالهم هذه تشبه حال
المحتضر عندما يأتيه الخطر من كل مكان. ويستسلم بكل ما فيه من ضعف
للقدر المحتوم بكل ما فيه من قوة باطشة وسلطان عظيم - فليست هناك حالة
معروفة للخوف أفزع من حالة المحتضر - لذلك لم يرض القرآن لهم مثلاً فى
ضعفهم وجبنهم. إلا أن يمثل لهم بتلك الحال التي لا يجهلها أحد.
هكذا يُسهم التشبيه والتمثيل مع شقيقهما المجاز - كما سنرى - في رسم
صورة صادقة لضعف الكفر في نفسه من حيث الأصنام التي كانوا يعبدونها.
ومن حيث الكافر نفسه فليسوا هم على شيء من دين. وما هم بدافعى عن
أنفسهم ضراً يُراد بهم. ولا أصنامهم وآلهتهم بمحققى آمالهم. وإن عاداهم
أحقر المخلوقات - كالذباب - لم يستطيعوا مصاولته.
[* وضعف بالغ:]
وهذه آية نختم بها هذه الجولة. . جولة القرآن مشبهاً وممثلاً لضعف معتقد
الكافرين في كل مظهر من مظاهره: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) .
هذا مثلهم في اعتمادهم على آلهتهم: مثل رجل أوى إلى بيت العنكبوت
ليحميه من خطر متوقع. وإنهم ليعلمون ما هو بيت العنكبوت؟
خيوط واهنة لو مَرَّ عليها نسيم هادئ لخرقها ومزقها:
(وَإن أوْهَنَ البُيُوت لبَيْتُ العَنكَبُوت لوْ كَانُواْ يَعْلمُونَ) ،
والقرآن - كما نرى - إنما خاطَبهم بما يحسون ويشَاهدون في حديث واضح وضوح الشمس لعلهم يتذكرون.
* *