أولاً: أن العلماء قد اشترطوا لقبول البديع وحسنه وبلاغته شروطا منها:
ألا يكون متكلفا ولا مسرفاً فيه صاحبه، وأن يُرسَل مع الطبع والسجية
ولا يكون على حساب المعنى.
وبديع القرآن قد تحقق فيه عدم التكلف وكونه لا على حساب المعنى.
أما الشرط الثاني - وهو عدم الإكثار - فلم يتحقق ذلك إذ أن نصوص
القرآن قد اشتملت على كثير من ألوان البديع، وقد رأينا أن آية هود المذكورة آنفاً قد استخرج منها العلماء أكثر من عشرين فناً من فنون البديع، ولم تزد كلماتها على سبع عشرة كلمة، بل إن ابن أبى الإصبع قد استخرج من حرف واحد وهو " ثُمَّ " - في قوله تعالى:(ثُمَّ لا يُنصَرُونَ) - قد استخرج من هذا الحرف وحده ثمانية فنون بديعية.
* *
[* كثرة وجوده:]
ومع هذه الكثرة في بديع القرآن لم تجد له إلا بلاغة وحُسناً، ولم يجرؤ أحد من العلماء والنقاد بتقليل قيمة بديع القرآن، وما رأيناهم قد استحسنوا فيما سواه ما كثر في القصيدة أو البيت لأن التاريخ والنقد الأدبيين لم يجدا مكثرا
منه أو مسرفاً فيه إلا كان خطؤه أكثر من صوابه وإجادته أقل من رداءته.
ولم يكن الإقلال منه عاصماً من التكلف فيه حتى يكون مع الإكثار عذر
لذلك التكلف. فقد أخطأ المقلُّون كما أخطأ المكثرون.
فمثلاً. . قد ورد في القرآن الكريم أسلوب مراعاة النظير فسلم وحسن، كقوله تعالى:(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (٦) .