للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[* نظرة فاحصة تكشف السر:]

الجواب: إن نظرة فاحصة في النصين تكشف السر. فتقديم: (يُعَلَمُهُمُ

الكتَابَ والحكْمَةَ) في البقرة، وعطفه مباشرة على قوله: (يَتْلواْ عَليْهِمْ

آيَاتَكَ) لما بَين المعنيين من تناسب لدرجة أنهما يبدوان في قوة المعنى الواحد.

إذ من التلاوة يكون حصول تعليم الكتاب والحكمة.

كما أن تأخير: (وَيُزكيهِمْ) فيه تناسب بينه وبين الفاصلة: (إنكَ أنتَ

العَزِيزُ الحَكِيمُ) لأن التزكية لا تكون إلا من العزيز الحكيم.

إذ هما وصفان موجبان للعظمة والإصابة في الفعل والقول.

أما تقديم التزكية في الجمعة فلتقدم: " القدوس " وما عطف عليه إذ بين

التزكية والقداسة نسب وصلة.

وتأخير تعليم الكتاب والحكمة لما بينه وبين الفاصلة من تناسب كذلك

اقتضاه المعنى: (وَيُعَلَمُهُمُ الكتَابَ وَالحكْمَةَ وَإن كَانُواْ من قَبْلُ لفِى

ضَلال مبين) . فجمع بينهما لكي نظهر نعَمة الله عليهم فضل ظهور.

لأن الضدين إذا اجتمعا وضح الفرق بينهما.

*

[* فهم آخر:]

ولنا أن ندير الأمر على اعتبار آخر مؤداه: أن المقام في سورة البقرة مقام

دعاء سلك فيه الداعي الترتيب الطبيعي بين المتعاطفات، لأن قصده أن تبنى

الأمة بحصول وسائل الهداية لها. فالرسول يتلوا آيات ربه على مسامعها

فيزيل ما عندها من جهل، ويعلمهم عن طريق التلاوة الكتاب والحكمة، فإذا حصل لهم ذلك زكت أنفسهم وطهرت قلوبهم حيث هينت دواعى ذلك لهم فقدم ما هو سبب على ما هو مسبب. وأمر ذلك ظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>