[* مقتضى الظاهر ومخالفته:]
واختلاف المقام يقتضي المخالفة بين كيفيات الكلام فيهما.
والظاهر يقتضي أن يؤكدوا دعوى إيمانهم مع المؤمنين. لأنهم منكرون لما يقولون شاكون فيه وألا يؤكدوا مع شياطينهم لأنهم مصدقون لهم لا يحتاجون إلى تأكيد ولكنا نرى الموضع هنا مختلفاً.
إلقاء الخطاب مجرداً من كل توكيد مع المؤمنين ومؤكداً مع الشياطين والظاهر
يقتضي العكس.
يرى السعد أن سر المخالفة في الموضعين: أنهم تركوا التوكيد مع خطاب
المؤمنين. لأن دعوى الإيمان لا تروج من المنافقين. وهم يعلمون ذلك فأنفسهم - إذن - لم تساعدهم عليه.
أما توكيدهم له مع الشياطين فلأن هذا رائج منهم عند شياطينهم.
ولتوافر الرغبة فيه وكمال العناية به.
فالتوكيد وعدم التوكيد جار على مراعاة الحالة النفسية عند المتكلم لا المخاطب.
وهذه لفتة حسنة من لفتات السعد. ومَن تبعه في هذا المذهب الجزل.
الذي هو وثيق الصلة بعلم النفس وأصول البلاغة الحية.
وقد جاء في خطابهم شياطينهم: (إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزئُونَ) ، ففسروا
قولهم مع المؤمنين: " آمنا " بأنه ليس إلا استهزاء، فكان الرد عليهم فيه قوة
وتوكيد. على غرار ما أثبتوه هم: (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) فأكد ذلك باسمية
الجملة. وبأن الله هو الذي يستهزئ بهم.
والاستهزاء من الله مجاز إذ لا يصح ذلك منه على وجه الحقيقة.
ولهذا فسَّروا هذه الآية بأن الله يجازيهم على الهزء. . ومعناه: أنه أمهلهم مدة ثم أخذهم مغامضة، فسمى إمهاله إياهم استهزاءً من حيث أنهم اغتروا به
اغترارهم بالهزء فيكون ذلك كالاستدراج من حيث لا يعلمون.