[* العصر الجاهلي:]
وقد نشأت البلاغة كعلم نتيجة للملاحظات التي برزت أمام النُقاد في التراث
العربي الأصيل. بدأت هذه الملاحظات من العصر الجاهلى، ذلك لأن الرواية
العربية تنقل لنا من تلك الملاحظات ضوءاً ينبئ عن إحساس العرب بمواطن الجودة والرداءة في الأساليب الأدبية.
تذكر الرواية العربية أن طرفه بن العبد - الشاعر الجاهلى - عاب قول
الملتمس - أو المسيب بن علس، على خلاف في هذه الرواية - لأنه قال:
وقَد أتناسَى الهمَّ عند احتِضارِهِ. . . بِناجٍ عليه الصيْعَرِّيَةُ مُكْدِمُ
تقول الرواية: إن طرفة حين سمع هذا البيت - وكان طفلاً - قال كلمته
المشهورة: استنوق الجمل. إشارة إلى خطأ في الاستعمال اللغوي لكلمة
" الصيعرية " لأن الشاعر استعملها صفة للجمل، وهي لا تكون إلا صفة
للناقة في العُرف اللغوي. ومن هذه الجهة كان نقده.
ويبدو أن طُرفة كان متعجلاً في نقده. لأن للشاعر مندوحة تصحح له هذا
الاستعمال إذ تنص المعاجم اللغوية على أن اختصاص الناقة بهذا الوصف إنما هو فى لغة اليمن دون لغة الحجاز.
والمتتبع للملاحظات التي كان يدركها النقاد الجاهليون يمكن أن يخضعها
لثلاثة مظاهر. .
أولها: خروج الشاعر عن الواقع أو مراعاة عنصر الصدق في الحديث.
وتطبيقاً لها المبدأ عابوا قول المهلهل بن ربيعة:
فَلوْلاَ الريحُ أسْمَعَ مَنْ بحُجزٍ. . . صَلِيلُ البِيضِ تُقْرَعُ بالذكُورِ