قال الراغب في توجيه معنى الآيتين: " وعمى عليه: أي اشتبه حتى صار
بالإضافة إليه كالأعمِى قال: (فَعَميَتْ عَليْهمُ الأنبَاءُ يَوْمَئذ) ،
(وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) .
وقال الزمخشري: ". . . ومعنى " عَمِيَتْ ": خفيت، فإن قلتَ: ما
حقيقته؟ قلتُ: حقيقته أن الحُجة كما جُعِلت بصيرة ومبصرة جعلت عمياء. لأن الأعمى لا يهتدى ولا يهدى غيره. .
فمعنى: فعميت عليكم البينة: لم تهدكم
كما لو عمى على القوم دليلهم في المفازة بقوا بغير هاد ".
وما ذكره الراغب والزمخشري ليس بمقنع.
بل إن ما ذكراه لا يخلو من مآخذ
وهى - فيما ذكره الراغب - يسيرة.
لأنه قال: حتى صار بالإضافة إليه كالأعمى.
وهذا لا يحل الإشكال، لأن القوم لم يبصروا الأنباء، ولم يهتدوا
إلى الرحمة، فهم العُمْىُ وليست الأنباء أو الرحمة.
وما ذكره الزمخشري فيه مجافاة للأوْلى. لأنه فسَّر الرحمة بالنبوة.
ثم جعلها - أي النبوة - عمياء من حيث لم تهدهم كما لو ضَل دليل قوم في مفازة بقوا بغير هاد.
وكما جُعِلت الحُجة بصيرة ومبصرة جُعِلت عمياء.
هذا مُحصل كلامه. . ولو كان الأمر كذلك لكان للقوم أكبر حجة يتمسكون بها على البقاء على الكفر. ما دامت حُجَّتهم عمياء.
*
[* محاولة لتوجيه المعنى في الموضعين:]
والذي أراه أن المسألة في الموضعين تُفهم على المجاز المرسل. الذي علاقته
الجزئية لأن القوم عُمْىٌ لا يبصرون شيئاً.
والحجَّة أو الأنباء بعض أفراد ما لا يبصرونه، فكما يقال: رعت الإبل الغيثَ - ويراد به النبات المتسبب عن