وقد عبَّر القرآن في ثنايا هذا التشبيه بـ " الإضاءة " في حال
الإثبات، وبـ " النور " في حال النفي دون الإضاءة، ليفيد الذهاب بكل ما
حصل لهم من نور. وإحلال الظلام محله. ولو عبَّر بنفى الإضاء لأفاد ذلك نفى الزيادة في النور مع بقاء أصل النور لأن " إضاءة " فرط النور.
وفي: " ذهب الله بنورهم " استعارة تمثيلية. لأن الواقع أن لا نور
حقيقة ولا ظلمات.
وفي إسناد الذهاب والترك إلى " الله " تسجيل عليهم
بالضلال الذي ليس بعده هدى لأن الذاهب بالنور، والتارك لهم في الظلمات، هو الله الذي لا معطي لما منع. ولا مانع لما أعطى.
(وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠) .
*
[* بين التشبيه والاستعارة:]
أما قوله: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨) .
فالزمخشري يرى فيه وجهين: أن يكون تشبيهاً - وعليه المحققون. أو
يكون استعارة. وهذا مختَلف فيه. وجعله تشبيهاً أولى لذكر الشبه وهم
المنافقون. وهذا بناء على أن المحذوف - المنوى ذكره - كالمذكور.
" وهذا عند مفلقى البيان من باب التمثيل البليغ المؤسس على تناسى
التشبيه ".
وهنا ظاهرة جديرة بالتسجيل هي أن الشبه في القرآن الكريم قد يكون
محذوفاً مع حذف الوجه والأداة وبقاء المشبَّه به فحسب. ومع هذا يعتبر
الأسلوب تشبيهاً.
والبيانيون يسمون هذا " استعارة تصريحية أصلية "،
والقول ببقاء التشبيه مع هذا الحذف لم يقولوا به خارج دائرة القرآن.