ويتحدث عن الكناية ويسميها " التعريض ". ويعرض لطائفة من الأبيات
المستكرهة الألفاظ المتفاوتة النسج. ولأخرى أفرط الشعر اء في معانيها وبالغوا مبالغة شديدة كقول أبى نواس يمدح الرشيد:
وَأخَفْتَ أهلَ الشرْكِ حَتى أنَّهُ. . . لتَخَافُكَ النُّطفُ التِى لمْ تُخْلقِ
وينقد قول زهير:
وَأعْلمُ مَا فِى اليَوْم وَالأمْسِ قَبْلهُ. . . وَلكِنًنِى عَنْ عِلم مَا في غَدٍ عَمَىٍ
فكلمة " عمى " عجيبة الوقع. ونسى أن يأخذ عليه كلمة " قبله " فقد
عدَّها النقاد حشواً لا معنى لها.
وفي الكتاب كثير من مسائل الأدب والنقد والبلاغة.
وقد رأينا أن الأساس الذي بنى عليه ابن طباطبا نقده يعتمد في كثير من الأحيان على التوجيه البلاغى ومقاييس البيان.
* * *
[* أبو هلال العسكرى:]
وتلا هؤلاء أبو هلال العسكرى، ووضع كتابه " سر الصناعتين " سنة
٣٩٤ هـ، ويُعد هذا الكتاب نقطة تحول في البيان العربي تناول فيه البلاغة
بروح الناقد، أو النقد بروح البليغ، وقد حدَّد أبو هلال وظيفة البلاغة في مقدمة
كتابه المذكور. ونوجز ما انتهى فيها فيما يأتي:
أولاً: أنها وسيدة فهم الإعجاز في كتاب الله، والإعجاز عنده يقوم عدى
الحُجة والبرهان، وعلم البلاغة هو الذي يقدم ذلك البرهان ويكشف عنه.
ثانياً: وصنَّاع الأدب ومنشئوه يقفون على الجيد الذي يقصدونه، والقبيح
الذي ينبغى أن يتحاشوه، والأديب الذي يعدم هذا العلم يمزج الصفو بالكدر، ويستعمل الوحشى العكر، فيجعل نفسه مهزلة للجاهل، وعبرة للعاقل.