للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[* الدعاء له طول وعرض:]

والدعاء كلمات يتنفس بها المكروب، قد تكون خفية همسات نفس، وقد

تعلو علواً نسبياً فيسمعها المتضرع ومَن يليه، ولكنها لا تزيد على هذا الحد.

ولا يستطيع الخيال أن يبرزها إلا في حدودها الطبيعية.

لكن القرآن - كتاب المعجزات - جعل أمام الخيال من تلك الكلمات الهامسة، وخلجات النفس المكروبة.

جعل منها دنيا عامرة فسيحة لها عرض يقصر دونه أحدُّ وأقوى بصر.

اسمع إليه يقول: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (٥١) .

فهذا الإنسان ظالم كفور لا يلتزم الاعتدال لا في حال النعمة، ولا في حال

النقمة.

فإذا كان في نعمة نسي معطيها وكفر حقها.

ولكن هذا المعنى أدى فى صورة شاخصة ومنظر ماثل: (أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ) إنه لعقوق وكفران وسوء معاملة.

فإذا ابتلاه الله بشيء من " الشرِّ " ملأَ الدنيا طنطنة وضراعات

ذاهباً بها في كل مكان لا يزال يدعو ويتضرع لتعود إليه السلامة:

(فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) فالدعاء له عرض وطول.

وطوله لا يقع تحت ضابط، فليوصف عرضه، وإذا كان العرض هكذا ممتداً. فما بالك بالطول؟ ليعمل الخيال.

ومثل هذه الصور قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢) .

فالضر ماس. إذن فهو له جارحة، وهو لشموله لتفكير الإنسان، وما يصيب

منه من قلق واضطراب سابغ لكل جزء فيه، ومحيط به حتى لكأنَّه لا يكاد يُرَى من وراء هذا الغطاء الكثيف.

هذه الاعتبارات أوحى بها قوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>