وموسى إذا قُدِّمَ على هارون فذلك جار على الأصل عندهم. لان
موسى أفضل من هارون. فإذا قُدِّمَ هارون على موسى.
وهو مفضول بالنسبة له فذلك عندهم - أي تقديم هارون على موسى - ليس إلا لفضيلة السجع.
لأن الفواصل فيه جارية على " الإلف ".
ومنها: (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩)
حيث فصل بين المعطوفَ والمعطوف عليه من أجل السجع.
لأن تقدير الكلام:
" ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاماً ".
* * *
[* رد هذا الدليل:]
وقد رد الباقلاني على الشُّبهة الأولى - وهو من نُفاة السجع كما علمنا -
فقال: " إن تقديم موسى على هارون مرة وتأخيره عنه أخرى. ليس من أجل
السجع. وإنما هو إيراد للقصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدى معنى واحداً. وهذا من الأمر الصعب الذي تظهر فيه البلاغة ".
وهناك اعتباران - لم يفطن لهما الباقلاني - يؤيدان مذهبه وهما أن أفضلية
موسى على هارون ليست على الإطلاق. لأن هارون يفضل موسى بفصاحة
اللسان وكمال هيئة النطق وتقدمه في السن عليه. إذ يكبره بثلاث سنوات كما جاء ذلك في العهد الجديد.
وكمال هيئة النطق وفصاحة البيان أمر له قيمته في مقام التبليغ، وقد شهد
به موسى نفسه كما حكى عنه القرآن: (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا) ، فلا
يبعد أن يكون تقديم هارون على موسى من أجل هذا الاعتبار.